فصل: 320- باب تحريم قول شاهان شاه للسلطان وغيره لأن معناه ملك الملوك ولا يوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.315- باب تغليظ اليمين الكاذبة عمدًا:

1712- عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيرِ حَقِّهِ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ الله- عز وجل: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إِلَى آخِرِ الآيَةِ [آل عمران: 77]. متفق عَلَيْهِ.
فيه: وعيد شديد، وتهديد أكيد لمن حلف كاذبًا عامدًا.
قال ابن بطال: إنَّ الله خص العهد بالتقدمة على سائر الأَيمان فدل على تأكيد الحلف به.
1713- وعن أَبي أُمَامَة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ. وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رسولَ اللهِ؟ قَالَ: «وإنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ». رواه مسلم.
فيه: وعيد شديد لمن أخذ حق غيره، ولو قليلًا بيمين كاذبة.
1714- وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاصِ رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الكَبَائِرُ: الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، واليَمِينُ الغَمُوسُ». رواه البخاري.
وفي روايةٍ لَهُ: أنَّ أعْرابِيًا جَاءَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يا رسولَ اللهِ مَا الكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الإشْرَاكُ بِاللهِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذا؟ قَالَ: «اليَمِينُ الغَمُوسُ» قلتُ: وَمَا اليَمِينُ الغَمُوسُ؟ قَالَ: «الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ!» يعني بِيَمِينٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ.
سُمِّيت اليمين الكاذبة غموسًا، لأنها تغمس الحالف في الإثم ثم تغمسه في النار.

.316- باب ندب من حلف عَلَى يَمينٍ فرأى غيرها خيرًا مِنْهَا أنْ يفعل ذَلِكَ المحلوف عَلَيْهِ:

ثُمَّ يُكَفِّر عن يمينه.
1715- عن عبد الرحمن بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأتِ الَّذِي هُوَ خَيرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ». متفق عَلَيْهِ.
1716- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمينٍ، فَرَأى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». رواه مسلم.
1717- وعن أَبي موسى رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنِّي واللهِ إنْ شاءَ اللهُ لا أحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، ثُمَّ أَرَى خَيرًا مِنْهَا إِلا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». متفق عَلَيْهِ.
قال عياض: اتفقوا على أنَّ الكفارة لا تجب إلا بالحنث، وأنه يجوز تأخيرها بعد الحنث.
وقال المازري: للكفارة ثلاث حالات:
أحدها: قبل الحلف، فلا تجزئ اتفاقًا.
ثانيها: بعد الحلف والحنث، فتجزئ اتفاقًا.
ثالثها: بعد الحلف وقبل الحنث، ففيه الخلاف. انتهى. والجمهور على جوازها قبل الحنث.
1718- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ في يَمِينِهِ في أهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ أنْ يُعْطِي كَفَّارَتَهُ الَّتي فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ». متفق عَلَيْهِ.
قَوْلهُ: «يَلَجّ» بفتح اللام وتشديد الجيم أيْ: يَتَمَادَى فِيهَا، وَلا يُكَفِّرُ، وَقَولُهُ: «آثَمُ» هُوَ بالثاء المثلثة، أيْ: أَكْثَرُ إثْمًا.
قال الحافظ: يلِج بكسر اللام، ويجوز فتحها من اللَّجاج، وهو أن يتمادى في الأمر، ولو تبين له خطؤه.
قال النووي: معنى الحديث: أنَّ من حلف يمينًا تتعلق بأهله بحيث يتضرَّرون بعدم حنثه فيه، فينبغي أنْ يحنث، فيفعل ذلك الشيء، ويكفر عن يمينه، فإنْ قال: لا أحنث، بل أتورع عن ارتكاب الحنث خشية الإثم فهو مخطئ بهذا القول، بل استمراره على عدم الحنث وإقامة الضرر لأهله، أكثر إثمًا من الحنث.
وقال البيضاوي: المراد أنَّ الرجل إذا حلف على شيء يتعلق بأهله، وأصرّ عليه، كان أدخل في الوزر وأفضى إلى الإِثم من الحنث؛ لأنه جعل الله عرضة ليمينه.
قال الحافظ: وفي الحديث: أنَّ الحنث في اليمين أفضل من التمادي، إذا كان في الحنث مصلحة، ويختلف بإختلاف حكم المحلوف عليه، فإن حلف على فعل الواجب، أو تركِ حرام فيمينه طاعة، والتمادي واجب، والحنث معصية، وعكسه بالعكس.
ويستنبط من معنى الحديث: أنَّ ذكر الأهل خرج مخرج الغالب، وإلا فالحكم يتناول غير الأهل إذا وجدت العلة. والله أعلم. انتهى ملخصًا.

.317- باب العفو عن لغو اليمين وأنَّه لا كفارة فِيهِ، وَهُوَ مَا يجري عَلَى اللسان بغير قصد اليمين كقوله عَلَى العادة: لا والله، وبلى والله، ونحو ذَلِكَ:

قَالَ الله تَعَالَى: {لاَ يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89].
يعني: فمن لم يجد إحدى الخصال الثلاث المخير فيها، فليصم ثلاثة أيام متتابعة.
1719- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها قالت: أُنْزِلَتْ هذِهِ الآية: {لاَ يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ} في قَوْلِ الرَّجُلِ: لا واللهِ، وَبَلَى واللهِ. رواه البخاري.
قال البخاري: باب: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]. وذكر الحديث.
وعن أبي قلابة: لا والله. وبلى والله. لغة من لغات العرب، لا يراد بها اليمين، وهي من صِلاة الكلام.
وعن عائشة: لغو اليمين، القوم يتدارؤون، يقول أحدهم: لا والله، وبلى والله. وكلا والله. ولا يقصد الحلف.

.318- باب كراهة الحلف في البيع وإنْ كان صادقًا:

1720- عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سَمِعتُ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ». متفق عليه.
قوله «للكسب»: أي للنماء والزيادة المقصودة منها، وفي رواية: «للبركة».
1721- وعن أبي قتادة رضي الله عنه: أنَّه سمعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الحَلِفِ فِي البَيْعِ، فَإنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: النهي عن الحلف في البيع، وإن كان صادقًا.

.319- باب كراهة أنْ يسأل الإنسان بوجه الله عز وجل غير الجنة، وكراهة منع من سأل بالله تعالى وتشفع به:

1722- عن جابر رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللهِ الا الجَنَّةُ». رواه أبو داود.
1723- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ، فَأعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ، فأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ، فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَد كَافَأْتُمُوهُ». حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي بأسانيد الصحيحين.
فيه: كراهة السؤال بوجه الله عز وجل، واستحباب إعطاء من سأل بالله تعالى.
قال الشارح: قوله: «لا يسأل»، بالجزم، على النهي التنزيهي، وبالرفع، خبر بمعنى النهي. قال الحليمي: هذا النهي يدل على أنَّ السؤال بالله يختلف، فإن كان السائل ظنّ أنَّ المسؤول إذا سأله بالله تعالى اهتز لإِعطائه، واغتنمه جاز له سؤاله بالله تعالى، وإنْ كان ممن يتلوى ويتضجر، ولا يأمن أنْ يرد فحرام عليه أنْ يسأله، وأما المسؤول فينبغي إذا سئل بوجه الله أنَّ لا يمنع ولا يرد السائل، وأن يعطيه بطيب نفس وانشراح صدر لوجه الله تعالى. انتهى ملخصًا.

.320- باب تحريم قول شاهان شاه للسلطان وغيره لأن معناه ملك الملوك ولا يوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى:

1724- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللهِ عز وجل رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ». متفق عليه.
قال سُفيانُ بن عُيَيْنَةَ: «مَلِكُ الأَمْلاَكِ» مِثْلُ: شَاهِنشَاهِ.
قال البخاري: باب أبغض الأسماء إلى الله. وذكر الحديث.
قال الحافظ: كذا ترجم بلفظ: «أبغض». وقد ورد بلفظ: «أخبث». وبلفظ: «أغيظ». وبلفظ: «أكره».
قوله: «أخنى» من الخنا، وهو الفحش في القول، ووقع في رواية: (أخنع) من الخنوع، وهو الذل.
وأخرج مسلم عن أحمد بن حنبل قال: سألت أبا عمرو الشيباني عن أخنع فقال: أوضع.
قال عياض: معناه أنه أشد الأسماء صغارًا.
وعند الطبراني: «اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك»، واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم، لورود الوعيد الشديد، ويلتحق به ما في معناه، مثل: خالق الخلق، وأحكم الحاكمين، وسلطان السلاطين، وأمير الأمراء. وهل يلتحق به من تسمَّى قاضي القضاة، أو حاكم الحكام؟
اختلف العلماء في ذلك.
ومن النوادر: أن القاضي عز الدين ابن جماعة رأى أباه في المنام، فسأله عن حاله؟. فقال: ما كان عليَّ أضرّ من هذا الاسم، فأمر الموقعين أنْ لا يكتبوا له في السجلات قاضي القضاة، بل قاضي المسلمين.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: يلتحق بملك الأملاك، قاضي القضاة وإن كان اشتهر في بلاد الشرق من قديم الزمان إطلاق ذلك على كبير القضاة، وقد سَلِمَ أهل المغرب من ذلك، فاسم كبير القضاة عندهم قاضي الجماعة.
قال: وفي الحديث مشروعية الأدب في كل شيء؛ لأن الزجر عن ملك الأملاك، والوعيد عليه يقتضي المنع منه مطلقًا، سواء أراد من تسمّى بذلك أنه ملك على ملوك الأرض، أم على بعضها، سواء كان محقًا في ذلك أم مبطلًا، مع أنه لا يخفى الفرق بين من قصد ذلك وكان فيه صادقًا، ومن قصده وكان فيه كاذبًا. انتهى ملخصًا.